فصل: سئل: عمن عليه زكاة الفطر ويعلم أنها صاع ويزيد عليه ويقول‏ هو نافلة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وسئل ـ رحمه الله ـ عن لبس الفضة للرجال من الكلاليب، وخاتم، وحياصة، وحلية على السيف، وسائر لبس الفضة‏:‏ هل هي محرمة ولا تجوز الصلاة فيها‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، أما خاتم الفضة فيباح باتفاق الأئمة، فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خاتما من فضة، وأن أصحابه اتخذوا خواتيم‏.‏

بخلاف خاتم الذهب، فإنها حرام باتفاق الأئمة الأربعة، فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك‏.‏

/والسيف يباح تحليته بيسير الفضة، فإن سيف النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه فضة، وكذلك يسير الذهب على الصحيح‏.‏

وأما الحياصة إذا كان فيها فضة يسيرة، فإنها تباح على أصح القولين‏.‏ وأما الكلاليب التي تمسك بها العمامة، وتحتاج إليها، إذا كانت بزنة الخواتيم كالمثقال ونحوه، فهي أولى بالإباحة من الخاتم؛ فإن الخاتم يتخذ للزينة، وهذا للحاجة، وهذه متصلة باليسير ليست مفردة كالخاتم، ويسير الفضة التابع لغيره إذا كان يحتاج إلى جنسه كشعيرة السكين وحلقة الإناء، تباح في الآنية، وإن كره مباشرته بالاستعمال‏.‏

وباب اللباس أوسع من باب الآنية، فإن آنية الذهب والفضة تحرم على الرجال والنساء‏.‏ وأما باب اللباس، فإن لباس الذهب والفضة يباح للنساء بالاتفاق، ويباح للرجل ما يحتاج إليه من ذلك، ويباح يسير الفضة للزينة، وكذلك يسير الذهب التابع لغيره، كالطرز ونحوه في أصح القولين، في مذهب أحمد وغيره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذهب إلا مقطعًا‏.‏

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح يسير الفضة للزينة مفردًا، أو مضافًا إلى غيره ـ كحلية السيف وغيره ـ فكيف يحرم /يسير الفضة للحاجة‏؟‏‏!‏

وهذا كله لو كان عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظ عام بتحريم لبس الفضة، كما جاء عنه لفظ عام بتحريم لبس الذهب والحرير على الرجال حيث قال‏:‏ ‏(‏هذان حرامٌ على ذكور أمتي، حِلٌ لإناثها‏)‏، وكما جاء عنه لفظ عام في تحريم آنية الذهب والفضة‏.‏

فلما كانت ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم عامة في آنية الذهب والفضة، وفي لباس الذهب والحرير؛ استثني من ذلك ما خصته الأدلة الشرعية، كيسير الحرير، ويسير الفضة في الآنية للحاجة ونحو ذلك‏.‏

فأما لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم؛ لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة باباحة خاتم الفضة؛ كان هذا دليلاً على إباحة ذلك، وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم‏.‏

/ وسئل عن جندي قال للصانع‏:‏اعمل لي حياصة من ذهب أو فضة،واكتب عليها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، فهل يجوز ذلك‏؟‏ ثم لابد من إعادتها إلى النار لتمام عملها، وهل يجوز لأحد أن يلبس حياصة ذهب أو فضة‏؟‏‏.‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله رب العالمين، أما حياصة الذهب فمحرمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الذَّهَبُ والحرير هذان حرامٌ على ذكور أمتي، حِلٌّ لإناثها‏)‏

وأمـا حياصة الفضـة، ففيها نزاع بـين العلماء، وقـد أبـاحها الشافعي وأحمـد في إحدي الروايتين‏.‏

وأما كتابة القرآن عليها، فيشبه كتابة القرآن على الدرهم والدينار، ولكن يمتاز هذا بأنها تعاد إلى النار بعد الكتابة، وهذا كله مكروه، فإنه يفضي إلى ابتذال القرآن وامتهانه، ووقوعه في /المواضع التي ينزه القرآن عنها، فإن الحياصة والدرهم والدينار ونحو ذلك، هو في معرض الابتذال، والامتهان‏.‏

وإن كان من العلماء من رخََّصَ في حمل الدراهم المكتوب عليها القرآن، فذلك للحاجة، ولم يرخص في كتابة القرآن عليها‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ باب صدقة الفطر

سئل  ـ رحمه الله ـ عن زكاة الفطر‏:‏ هل تخرج تمرًا أو زبيبا أو بُرًا أو شعيرًا أو دقيقا‏؟‏ وهل يعطي للأقارب ممن لا تجب نفقته‏؟‏ أو يجوز إعطاء القيمة‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، أما إذا كان أهل البلد يقتاتون أحد هذه الأصناف جاز الإخراج من قوتهم بلا ريب، وهل لهم أن يخرجوا ما يقتاتون من غيرها‏؟‏ مثل أن يكونوا يقتاتون الأرز، والدَّخن، فهل عليهم أن يخرجوا حنطة، أو شعيرًا، أو يجزئهم الأرز، والدخن والذرة‏؟‏ فيه نزاع مشهور، وهما روايتان عن أحمد‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يخرج إلا المنصوص‏.‏

/والأخري‏:‏ يخرج ما يقتاته، وإن لم يكن من هذه الأصناف، وهو قول أكثر العلماء ـ كالشافعي وغيره ـ وهو أصح الأقوال؛ فإن الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المساواة للفقراء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 89‏]‏‏.‏

والنبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير؛ لأن هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم بل يقتاتون غيره؛ لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه، كما لم يأمر الله بذلك في الكفارات، وصدقة الفطر من جنس الكفارات، هذه معلقة بالبدن، وهذه معلقة بالبدن، بخلاف صدقة المال، فإنها تجب بسبب المال من جنس ما أعطاه الله‏.‏

وأما الدقيق، فيجوز إخراجه في مذهب أبي حنيفة وأحمد دون الشافعي، ويخرجه بالوزن، فإن الدقيق يرىع إذا طحن‏.‏

والقريب الذي يستحقها إذا كانت حاجته مثل حاجة الأجنبي، فهو أحق بها منه، فإن صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن عليه زكاة الفطر، ويعلم أنها صاع ويزيد عليه، ويقول‏:‏ هو نافلة، هل يكره‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، نعم يجوز بلا كراهية عند أكثر العلماء، كالشافعي وأحمد وغيرهما‏.‏ وإنما تنقل كراهيته عن مالك‏.‏

وأما النقص عن الواجب فلا يجوز باتفاق العلماء، لكن هل الواجب صاع أو نصف صاع أو أكثر‏؟‏ فيه قولان‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل شيخ الإسلام عن صدقة الفطر‏:‏ هل يجب استيعاب الأصناف الثمانية في صرفها‏؟‏ أم يجزئ صرفها إلى شخص واحد‏؟‏ وما أقوال العلماء في ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، الكلام في هذا الباب في أصلين‏:‏

أحدهما‏:‏ في زكاة المال كزكاة الماشية والنقد، وعروض التجارة والمعشرات، فهذه فيها قولان للعلماء‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه يجب على كل مُزُكٍ أن يستوعب بزكاته جميع الأصناف المقدور عليها، وأن يعطي من كل صنف ثلاثة، وهذا هو المعروف من مذهب الشافعي، وهو رواية عن الإمام أحمد‏.‏

الثاني‏:‏ بل الواجب ألا يخرج بها عن الأصناف الثمانية، ولا يعطي أحدًا فوق كفايته، ولا يحابي أحدًا بحيث يعطي واحدًا ويدع /من هو أحق منه أو مثله مع إمكان العدل‏.‏ وعند هؤلاء إذا دفع زكاة ماله جميعها لواحد من صنف، وهو يستحق ذلك، مثل أن يكون غارمًا عليه ألف درهم لا يجد لها وفاء، فيعطيه زكاته كلها، وهي ألف درهم أجزأه‏.‏ وهذا قول جمهور أهل العلم كأبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه، وهو المأثور عن الصحابة كحذيفة ابن اليمان، وعبد الله بن عباس، ويذكر ذلك عن عمر نفسه‏.‏

وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِقَبِيصَة بن مُخِارق الهِلالي‏:‏ ‏(‏أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها‏)‏‏.‏ وفي سنن أبي داود وغيرها أنه قال لسلمة بن صَخْر البياضي‏:‏ ‏(‏اذهب إلى عامل بني زُرَيق، فليدفع صدقتهم إليك‏)‏‏.‏ ففي هذين الحديثين أنه دفع صدقة قوم لشخص واحد، لكن الآمر هو الإمام، وفي مثل هذا تنازع، وفي المسألة بحث من الطرفين لا تحتمله هذه الفتوي‏.‏

فإن المقصود هو الأصل الثاني، وهو صدقة الفطر، فإن هذه الصدقة هل تجري مجري صدقة الأموال أو صدقة الأبدان كالكفارات‏؟‏ على قولين‏.‏ فمن قال بالأول، وكان من قوله وجوب الاستيعاب، أوجب الاستيعاب فيها‏.‏

/وعلى هذين الأصلين ينبني ما ذكره السائل من مذهب الشافعي ـ رضي الله عنه ـ ومن كان من مذهبه أنه لا يجب الاستيعاب كقول جمهور العلماء، فإنهم يجوزون دفع صدقة الفطر إلى واحد، كما عليه المسلمون قديمًا وحديثًا‏.‏

ومن قال بالثاني‏:‏ إن صدقة الفطر تجري مجري كفارة اليمين، والظهار، والقتل، والجماع في رمضان، ومجري كفارة الحج، فإن سببها هو البدن ليس هو المال، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه فرض صدقة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرَّفَثِ وَطُعْمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات‏.‏ وفي حديث آخر أنه قال‏:‏ ‏(‏أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة‏)‏‏.‏

ولهذا أوجبها الله طعامًا، كما أوجب الكفارة طعامًا، وعلى هذا القول فلا يجزئ إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم، فلا يعطي منها في المؤلفة، ولا الرقاب، ولا غير ذلك، وهذا القول أقوي في الدليل‏.‏

وأضعف الأقوال قول من يقول‏:‏ إنه يجب على كل مسلم أن يدفع /صدقة فطره إلى اثني عشر، أو ثمانية عشر، أو إلى أربعة وعشرين، أو اثنين وثلاثين، أو ثمانية وعشرين، ونحو ذلك، فإن هذا خلاف ما كان عليه المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وصحابته أجمعين، لم يعمل بهذا مسلم على عهدهم، بل كان المسلم يدفع صدقة فطره وصدقة فطر عياله إلى المسلم الواحد‏.‏

ولو رأوا من يقسم الصاع على بضعة عشر نفسا، يعطي كل واحد حفنة لأنكروا ذلك غاية الإنكار، وعدوه من البدع المستنكرة، والأفعال المستقبحة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدر المأمور به صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير‏.‏ ومن البر إما نصف صاع، وإما صاعًا على قدر الكفاية التامة للواحد من المساكين، وجعلها طُعْمة لهم يوم العيد يستغنون بها، فإذا أخذ المسكين حفنة لم ينتفع بها، ولم تقع موقعا‏.‏

وكذلك من عليه دَيْنٌ، وهو ابن سبيل إذا أخذ حفنة من حنطة لم ينتفع بها من مقصودها ما يعد مقصودًا للعقلاء، وإن جاز أن يكون ذلك مقصودًا في بعض الأوقات، كما لو فرض عدد مضطرون /وإن قسم بينهم الصاع عاشوا، وإن خص به بعضهم مات الباقون، فهنا ينبغي تفريقه بين جماعة، لكن هذا يقتضي أن يكون التفريق هو المصلحة، والشريعة منزهة عن هذه الأفعال المنكرة التي لا يرضاها العقلاء، ولم يفعلها أحد من سلف الأمة وأئمتها‏.‏

ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏طُعْمة للمساكين‏)‏ نص في أن ذلك حق للمساكين‏.‏ وقوله تعالى في آية الظهار‏:‏ ‏{‏فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 4‏]‏، فإذا لم يجز أن تصرف تلك للأصناف الثمانية، فكذلك هذه؛ ولهذا يعتبر في المخرج من المال أن يكون من جنس النصاب، والواجب ما يبقي ويُسْتَنْمي؛ ولهذا كان الواجب فيها الإناث دون الذكور، إلا في التبيع، وابن لبون؛ لأن المقصود الدَّر والنسل، وإنما هو للإناث‏.‏ وفي الضحايا والهدايا لما كان المقصود الأكل كان الذكر أفضل من الأنثي، وكانت الهدايا والضحايا إذا تصدق بها أو ببعضها فإنما هو للمساكين أهل الحاجة دون استيعاب المصارف الثمانية وصدقة الفطر وجبت طعامًا للأكل لا للاستنماء، فعلم أنها من جنس الكفارات‏.‏

وإذا قيل‏:‏ إن قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 60‏]‏، نص في استيعاب الصدقة‏.‏ قيل‏:‏ هذا خطأ لوجوه‏:‏

/أحدها‏:‏ أن اللام في هذه إنما هي لتعريف الصدقة المعهودة التي تقدم ذكرها في قوله‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 58‏]‏، وهذه إذًا صدقات الأموال دون صدقات الأبدان باتفاق المسلمين؛ ولهذا قال في آية الفدية‏:‏ ‏{‏فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 196‏]‏، لم تكن هذه الصدقة داخلة في آية براءة، واتفق الأئمة على أن فدية الأذي لا يجب صرفها في جميع الأصناف الثمانية، وكذلك صدقة التطوع لم تدخل في الآية بإجماع المسلمين، وكذلك سائر المعروف فإنه قد ثبت في الصحيح من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كل معروف صدقة‏)‏‏.‏ لا يختص بها الأصناف الثمانية باتفاق المسلمين‏.‏

وهذا جواب من يمنع دخول هذه الصدقة في الآية، وهي تعم جميع الفقراء، والمساكين والغارمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يقل مسلم‏:‏ إنه يجب استيعاب جميع هؤلاء، بل غاية ما قيل‏:‏ إنه يجب إعطاء ثلاثة من كل صنف، وهذا تخصيص اللفظ العام من كل صنف، ثم فيه تعيين فقير دون فقير‏.‏

وأيضا لم يوجب أحد التسوية في آحاد كل صنف، فالقول عند /الجمهور في الأصناف عموما وتسوية، كالقول في آحاد كل صنف عموما وتسوية‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏60‏]‏ للحصر، وإنما يثبت المذكور ويبقي ما عداه، والمعني‏:‏ ليست الصدقة لغير هؤلاء بل لهؤلاء، فالمثبت من جنس المنفي، ومعلوم أنه لم يقصد تبيين الملك، بل قصد تبيين الحل، أي‏:‏ لا تحل الصدقة لغير هؤلاء، فيكون المعني‏:‏ بل تحل لهم، وذلك أنه ذكر في معرض الذم لمن سأله من الصدقات وهو لا يستحقها، والمذموم يذم على طلب ما لا يحل له، لا على طلب ما يحل له، وإن كان لا يملكه، إذ لو كان كذلك؛ لذم هؤلاء وغيرهم إذا سألوها من الإمام قبل إعطائها، ولو كان الذم عامًا؛ لم يكن في الحصر ذم لهؤلاء دون غيرهم، وسياق الآية يقتضي ذمهم، والذم الذي اختصوا به سؤال ما لا يحل، فيكون ذلك نفي، ويكون المثبت هذا يحل، وليس من الإحلال للأصناف وآحادهم وجود الاستيعاب والتسوية‏.‏ كاللام في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏29‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ‏}‏ ‏[‏الجاثية‏:‏ 13‏]‏، وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏أنت ومالك لأبيك‏)‏ وأمثال ذلك مما جاءت به اللام للإباحة‏.‏ فقول القائل‏:‏إنه قسمها بينهم بواو التشريك، /ولام التمليك، ممنوع لما ذكرناه‏.‏

الوجه الثالث‏:‏ أن الله لما قال في الفرائض‏:‏ ‏{‏يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 11‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 12‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 176‏]‏، لما كانت اللام للتمليك وجب استيعاب الأصناف المذكورين، وإفراد كل صنف والتسوية بينهم، فإذا كان لرجل أربع زوجات، وأربعة بنين أو بنات، أو أخوات، أو إخوة؛ وجب العموم والتسوية في الإفراد؛ لأن كلاً منهم استحق بالنسب، وهم مستوون فيه‏.‏ وهناك لم يكن الأمر فيه كذلك، ولم يجب فيه ذلك‏.‏

ولا يقال‏:‏ إفراد الصنف لا يمكن استيعابه؛ لأنه يقال‏:‏ بل يجب أن يقال في الإفراد ما قيل في الأصناف، فإذا قيل‏:‏ يجب استيعابها بحسب الإمكان، ويسقط المعْجُوز عنه، قيل‏:‏ في الإفراد كذلك‏.‏ وليس الأمر كذلك، لكن يجب تحري العدل بحسب الإمكان، كما ذكرناه، والله أعلم‏.‏

/ باب إخراج الزكاة

 سُــئل شيخ الإسلام عن تاجر‏:‏ هل يجوز أن يخرج من زكاته الواجبة عليه صنفًا يحتاج إليه‏؟‏ وهل إذا مات إنسان وعليه ديْنٌ له، فهل يجوز أن يعطي أحدًا من أقارب الميت ـ إن كان مستحقًا للزكاة ـ ثم يستوفيه منه‏؟‏ وهل إذا أخرج زكاته على أهل بلد آخر مسافة القصر، هل يجزئه أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، إذا أعطاه دراهم أجزأ بلا ريب‏.‏

وأما إذا أعطاه القيمة، ففيه نزاع‏:‏ هل يجوز مطلقًا أو لا يجوز مطلقًا‏؟‏ أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة‏؟‏ على ثلاثة أقوال ـ في مذهب أحمد وغيره‏.‏ وهذا القول أعدل الأقوال‏.‏

فإن كان آخذ الزكاة يرىد أن يشتري بها كسوة، فاشتري رب /المال له بها كسوة وأعطاه، فقد أحسن إليه، وأما إذا قَوَّم هو الثياب التي عنده وأعطاها، فقد يقومها بأكثر من السعر، وقد يأخذ الثياب من لا يحتاج إليها، بل يبيعها فيغرم أجرة المنادي، وربما خسرت، فيكون في ذلك ضرر على الفقراء‏.‏

والأصناف التي يُتَّجَر فيها يجوز أن يخرج عنها جميعًا دراهم بالقيمة، فإن لم يكن عنده دراهم فأعطي ثمنها بالقيمة، فالأظهر أنه يجوز؛ لأنه واسي الفقراء، فأعطاهم من جنس ماله‏.‏

وأما الدَّيْنُ الذي على الميت، فيجوز أن يوفي من الزكاة في أحد قولي العلماء، وهو إحدي الروايتين عـن أحمد؛ لأن الله ـ تعالى ـ قـال‏:‏ ‏{‏وَالْغَارِمِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏60‏]‏، ولم يقـل‏:‏ وللغارمين‏.‏ فالغارم لا يشترط تمليكه‏.‏

وعلى هذا يجوز الوفاء عنه، وأن يملك لوارثه ولغيره، ولكن الذي عليه الدَّيْن لا يعطي ليستوفي دينه‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن زكاة العشر وغيره يأخذها السلطان، يصرفها حيث شاء، ولا يعطيها للفقراء والمساكين‏:‏ هل يسقط الفرض بذلك أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما ما يأخذه ولاة المسلمين من العشر وزكاة الماشية والتجارة وغير ذلك، فإنه يسقط ذلك عن صاحبه، إذا كان الإمام عادلاً يصرفه في مصارفه الشرعية، باتفاق العلماء، فإن كان ظالما لا يصرفه في مصارفه الشرعية، فينبغي لصاحبه ألا يدفع الزكاة إليه، بل يصرفها هو إلى مستحقيها، فإن أكره على دفعها إلى الظالم، بحيث لو لم يدفعها إليه لحصل له ضرر، فإنها تجزئة في هذه الصورة عند أكثر العلماء‏.‏

وهم في هذه الحال ظلموا مستحقيها، كولي اليتيم، وناظر الوقف، إذا قبضوا ماله وصرفوه في غير مصارفه‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن أخرج القيمة في الزكاة،فإنه كثيرا ما يكون أنفع للفقير‏:‏ هل هو جائز أم لا‏؟‏‏.‏

فأجاب‏:‏

وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد ـ رحمه الله ـ قد منع القيمة في مواضع، وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين‏.‏

والأظهر في هذا‏:‏ أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه؛ ولهذا قَدَّر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين، أو عشرين درهمًا، ولم يعدل إلى القيمة؛ ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل، فلا /بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه، أو زرعه بدراهم، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، أو حنطة، إذ كان قد ساوي الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك‏.‏

ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل، وليس عنده من يبيعه شاة، فإخراج القيمة هنا كاف، ولا يكلف السفر إلى مدينة أخري ليشتري شاة، ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة؛ لكونها أنفع، فيعطيهم إياها، أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء، كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن‏:‏ ائتوني بخميص، أو لبيس أسهل عليكم، وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار‏.‏

وهذا قد قيل‏:‏ إنه قاله في الزكاة، وقيل‏:‏ في الجزية‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن إسقاط الدين عن المعسر‏:‏هل يجوز أن يحسبه من الزكاة‏؟‏

فأجاب‏:‏

وأما إسقاط الدَّيْن عن المعسر، فلا يجزئ عن زكاة العين بلا نزاع، لكن إذا كان له دين على من يستحق الزكاة، فهل يجوز أن يسقط عنه قدر زكاة ذلك الدين، ويكون ذلك زكاة الدين‏؟‏ فهذا فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره‏.‏

أظهرهما الجواز؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وهنا قد أخرج من جنس ما يملك، بخلاف ما إذا كان ماله عينًا، وأخرج دينًا، فإن الذي أخرجه دون الذي يملكه، فكان بمنزلة إخراج الخبيث عن الطيب، وهذا لا يجوز‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 267‏]‏‏.‏

ولهذا كان على المزكي أن يخرج من جنس ماله، لا يخرج أدني منه، فإذا كان له ثمر وحنطة جيدة لم يخرج عنها ما هو دونها‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن له زكاة، وله أقارب في بلد تقصر إليه الصلاة، وهم مستحقون الصدقة، فهل يجوز أن يدفعها إليهم أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله، إذا كانوا محتاجين مستحقين للزكاة، ولم تحصل لهم كفايتهم من جهة غيره، فإنه يعطيهم من الزكاة، ولو كانوا في بلد بعيد‏.‏ والله أعلم‏.‏

 وسئل شيخ الإسلام عن المسكين يحتاج إلى الزكاة من الزرع، فهل إعطاؤه يسقط الفرض عن صاحب الزرع، إذا عجلها له قبل إدراك زرعه أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

وأما تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد سبب الوجوب، فيجوز عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد، فيجوز /تعجيل زكاة الماشية والنقدين وعروض التجارة إذا ملك النصاب‏.‏

ويجوز‏:‏ تعجيل المعشرات قبل وجوبها إذا كان قد طلع الثمر قبل بدو صلاحه، ونبت الزرع قبل اشتداد الحب‏.‏

فأما إذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمرة؛ وجبت الزكاة‏.‏

 وسئل عن رجل تحت يده مال فوق النصاب، فأخرج منه شيئا من زكاة الفرض، ظنًا منه أنه قد حال عليه الحول، ثم تبين أنه لم يحل الحول وفيمن يخرج الزكاة، وفي نفسه إذا كان الحول حالاً فهي زكاة، وإلا تكون سلفًا على ما يجب بعد‏:‏ هل يجزئ في الصورتين‏؟‏

فأجاب‏:‏

نعم، يجزي ذلك في الصورتين جميعا، إذا وجبت الزكاة‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل عن دفع الزكاة إلى قوم منتسبين إلى المشايخ‏:‏ هل يجوز أم لا ‏؟‏

فأجاب‏:‏

فصل

وأما الزكاة، فينبغي للإنسان أن يتحري بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين ـ وغيرهم من أهل الدين، المتبعين للشريعة ـ فمن أظهر بدعة أو فجورا؛ فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره ـ والاستتابة، فكيف يعان على ذلك‏؟‏‏!‏

وأما من يأخذها وينفقها بحسب اختياره، أو ينفقها على عياله مع غناه، فهذا لا يجوز دفعها إليه، ولا تبرأ ذمة من دفعها إليه، بل لا تعطي إلا لمستحقها، أو لمن يعطيها لمستحقها، مثل من عنده خبرة /بأهلها وأمانة، فيؤديها إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏‏.‏

وإذا طلبها من لا يعلم حاجته إليها، وهو يعلم حاجة آخر، فإعطاء من يعلم أولى، وإعطاء القريب المحتاج الذي ليس من أهل نفقته أولى من إعطاء البعيد المساوي له في الحاجة‏.‏

 وسئل عن رجل عليه زكاة‏:‏ هل يجوز له أن يعطيها لأقاربه المحتاجين‏؟‏ أو أن يشتري لهم منها ثيابًا أو حبوبًا، وإذا أخذ السلطان من غنمه هل تسقط زكاتها‏؟‏ وهل يلزمه إعطاء الزكاة في بلد القلة والمال أم لا‏؟‏ وهل إذا مات فقير وله عليه مال‏:‏ هل له أن يحسبه من الزكاة‏؟‏ أو يطلبه من غيره فيأخذ عنه‏؟‏ وهل يعطي لمن لا يصلى أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد لله يجوز أن يصرف الزكاة إلى من يستحقها، وإن كانوا من أقاربه الذين ليسوا في عياله، لكن يعطيهم من ماله، وهم يأذنون لمن يشتري لهم بها ما يرىدون‏.‏

/وما أخذه السلطان من الزكاة بغير أمر أصحابه احتسب به، وجيران المال أحق بصدقته، فإن استغنوا عنها أعطي البعيد وإن أعطاها الفقراء في غير البلد جاز‏.‏

وإن كان له دَين على حي أو ميت لم يحتسب به من الزكاة، ولا يحتال في ذلك‏.‏

ومن لم يكن مصليا أُمر بالصلاة، فإن قال‏:‏ أنا أصلي، أعطي، وإلا لم يعط‏.‏

 وسئل ـ قدس الله روحه ـ عن دفع الزكاة إلى أقاربه المحتاجين، الذين لا تلزمه نفقتهم‏:‏ هل هو الأفضل أو دفعها إلى الأجنبي ‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما دفع الزكاة إلى أقاربه، فإن كان القريب الذي يجوز دفعها إليه حاجته مثل حاجة الأجنبي إليها، فالقريب أولى، وإن كان البعيد أحوج، لم يحاب بها القريب‏.‏ قال أحمد، عن سفيان بن عيينة‏:‏ كانوا يقولون‏:‏ لا يحابي بها قريبًا، ولا يدفع بها مذمة، ولا يقي بها ماله‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن دفعها إلى والديه، وولده الذين لا تلزمه نفقتهم‏:‏ هل يجوز أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

الذين يأخذون الزكاة صنفان‏:‏ صنف يأخذ لحاجته، كالفقير والغارم لمصلحة نفسه‏.‏

وصنف يأخذها لحاجة المسلمين، كالمجاهد، والغارم في إصلاح ذات البين، فهؤلاء يجوز دفعها إليهم، وإن كانوا من أقاربه‏.‏

وأما دفعها إلى الوالدين ـ إذا كانوا غارمين، أو مكاتبين ـ ففيها وجهان، والأظهر جواز ذلك‏.‏

وأما إن كانوا فقراء ـ وهو عاجز عن نفقتهم ـ فالأقوي جواز دفعها إليهم في هذه الحال؛ لأن المقتضي موجود، والمانع مفقود،فوجب العمل بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم‏.‏

/ وسئل عن امرأة فقيرة، وعليها دَينٌ، ولها أولاد بنت صغار، ولهم مال، وهم تحت الحجر‏:‏ هل يجوز أن يدفعوا زكاتهم إلى جدتهم أم لا‏؟‏ وهل هي أولى من غيرها أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما دفع زكاتهم إليها لقضاء دينها، فيجوز في أظهر قولي العلماء، وهو أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وكذلك دفعها إلى سائر الأقارب لأجل الدين‏.‏

وأما دفعها لأجل النفقة، فإن كانت مستغنية بنفقتهم، أو نفقة غيرهم؛ لم تدفع إليها، وإن كانت محتاجة إلى زكاتهم؛ دفعت إليها في أظهر قولي العلماء، وهي أحق من الأجانب‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله‏:

هل من كان عليه دَينٌ يجوز له أن يأخذ من زكاة أبيه لقضاء دينه أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا كان على الولد دَينٌ، ولا وفاء له؛ جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهـر القولين في مذهب أحمد وغيره‏.‏

وأما إن كان محتاجًا إلى النفقة، وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه‏.‏

وأما إن كان مستغنيا بنفقة أبيه، فلا حاجة به إلى زكاته‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وسئل‏:‏

هل يجزئ الرجل عن زكاته ما يغرمه ولاة الأمور في الطرقات أم لا ‏؟‏

فأجاب‏:‏

ما يأخذه ولاة الأمور بغير اسم الزكاة لا يعتد به من الزكاة‏.‏ واللّه ـ تعالى ـ أعلم‏.‏

 وسئل عن الصدقة على المحتاجين من الأهل وغيرهم ‏؟‏

فأجاب‏:‏

إن كان مال الإنسان لا يتسع للأقارب والأباعد، فإن نفقة القريب واجبة عليه، فلا يعطي البعيد ما يضر بالقريب‏.‏

وأما الزكاة والكفارة، فيجوز أن يعطي منها القريب الذي لا ينفق عليه، والقريب أولى إذا استوت الحاجة‏.‏

/ وسئل ـ رَحمه اللّه ـ عن رجل أعطاه أخ له شيئاً من الدنيا، أيقبله أم يرده ‏؟‏ وقد ورد‏:‏ ‏(‏من جاءه شيء بغير سؤال فرده، فكأنما رده على اللّه‏)‏ هل هو صحيح أم لا ‏؟‏

فأجاب‏:‏

قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر‏:‏ ‏(‏ما أتاك من هذا المال، وأنت غير سائل، ولا مُشْرِفٍ، فخذه، ومالا فلا تتبعه نفسك‏)‏، وثبت ـ أيضا ـ في الصحيح‏:‏ أن حَكِيم بن حِزام سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم قال‏:‏‏(‏ياحكيم، ما أكثر مسألتك‏؟‏‏!‏ إن هذا المال خَضِرةٌ حُلْوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بِإشراف نفس لم يبارك له فيه، فكان كالذي يأكل ولا يشبع‏)‏، فقال له حكيم‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك من أحد شيئاً‏.‏ فكان أبو بكر وعمر يعطيانه فلا يأخذ‏.‏

فتبين بهذين الحديثين أن الإنسان إذا كان سائلاً بلسانه، أو /مشرفاً إلى ما يعطاه، فلا ينبغي أن يقبله، إلا حيث تباح له المسألة والاستشراف‏.‏ وأما إذا أتاه من غير مسألة ولا إشراف، فله أخذه إن كان الذي أعطاه أعطاه حقه، كما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم عمر من بيت المال، فإنه قد كان عمل له فأعطاه عمالته، وله ألا يقبله كما فعل حكيم بن حزام مالا يستحقه عليه، فإن قبله وكان من غير إشراف له عليه فقد أحسن‏.‏

وأما الغني، فينبغي له أن يكافئ بالمال من أسداه إليه؛ لخبر‏:‏ ‏(‏من أسْدي إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا له ما تكافئوه فادعوا له حتي تعلموا أن قد كافأتموه‏)‏‏.‏